الغزوات والسرايا قبل بدر «1» ولتنفيذ هاتين الخطتين بدأ في المسلمين النشاط العسكري فعلا بعد نزول الإذن بالقتال، وقاموا بحركات عسكرية هي أشبه بالدوريات الإستطلاعية، وكان المطلوب منها __________ (1) سمى المؤرخون ما خرج فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم بنفسه غزوة، حارب فيها أم لم يحارب وما خرج فيه أحد قادته سرية.
هو الذي أشرنا إليه من الإستكشاف والتعرف على الطرق المحيطة بالمدينة، والمسالك المؤدية إلى مكة، وعقد المعاهدات مع القبائل التي مساكنها على هذه الطرق، وإشعار مشركي يثرب ويهودها وأعراب البادية الضاربين حولها بأن المسلمين أقوياء، وأنهم تخلصوا من ضعفهم القديم، وإنذار قريش عقبى طيشها، حتى تفيق عن غيها الذي لا تزال تتوغل في أعماقه، وعلها تشعر بتفاقم الخطر على اقتصادها وأسباب معايشها فتجنح إلى السلم، وتمتنع عن إرادة قتال المسلمين في عقر دارهم، وعن الصد عن سبيل الله، وعن تعذيب المستضعفين من المؤمنين في مكة، حتى يصير المسلمون أحرارا في إبلاغ رسالة الله في ربوع الجزيرة. وفيما يلي أحوال هذه السرايا بالإيجاز:
1- سرية سيف البحر ، في رمضان سنة 1 هـ. الموافق مارس سنة 623 م. أمّر رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه السرية حمزة بن عبد المطلب، وبعثه في ثلاثين رجلا من المهاجرين، يعترض عيرا لقريش جاءت من الشام، وفيها أبو جهل بن هشام في ثلاثمائة رجل، فبلغوا سيف البحر من ناحية العيص «1» . فالتقوا واصطفوا للقتال، فمشى مجدي ابن عمرو الجهني- وكان حليفا للفريقين جميعا- بين هؤلاء وهؤلاء، حتى حجز بينهم، فلم يقتتلوا. وكان لواء حمزة أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبيض، وكان حامله أبا مرثد كناز بن حصين الغنوي.
2- سرية رابغ ، في شوال سنة 1 من الهجرة- أبريل سنة 623 م، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبيدة بن الحارث بن المطلب في ستين راكبا من المهاجرين، فلقي أبا سفيان- وهو في مائتين- على بطن رابغ، وقد ترامى الفريقان بالنبل، ولم يقع قتال. وفي هذه السرية انضم رجلان من جيش مكة إلى المسلمين، وهما المقداد بن عمرو البهراني، وعتبة بن غزوان المازني، وكان مسلمين، خرجا مع الكفار، ليكون ذلك وسيلة للوصول إلى المسلمين. وكان لواء عبيدة أبيض، وحامله مسطح بن أثاثة بن المطلب بن عبد مناف.
3- سرية الخرّار «2» ، في ذي القعدة سنة 1 هـ الموافق مايو سنة 623 م، بعث __________ (1) العيص- بالكسر- مكان بين ينبع والمروة ناحية البحر الأحمر. (2) الخرار- بالفتح فالتشديد- موضع بالقرب من الجحفة.
رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص في عشرين راكبا، يعترضون عيرا لقريش، وعهد إليه أن لا يجاوز الخرار، فخرجوا مشاة يكمنون بالنهار ويسيرون بالليل حتى بلغوا الخرار صبيحة خمس، فوجدوا العير قد مرت بالأمس. كان لواء سعد رضي الله عنه أبيض، وحمله المقداد بن عمرو.
4- غزوة الأبواء أو ودان «1» – في صفر سنة 2 هـ الموافق أغسطس سنة 623 م، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، بعد أن استخلف على المدينة سعد بن عبادة، في سبعين رجلا من المهاجرين خاصة، يعترض عيرا لقريش حتى بلغ ودان، فلم يلق كيدا. وفي هذه الغزوة عقد معاهدة حلف مع عمرو بن مخشى الضمري، وكان سيد بني ضمرة في زمانه، وهاك نص المعاهدة: هذا كتاب من محمد رسول الله لبني ضمرة، فإنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم، وإن لهم النصر على من رامهم إلا أن يحاربوا دين الله، ما بلّ بحر صوفة، وإن النبي إذا دعاهم لنصره أجابوه «2» . وهذه أول غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة، وكان اللواء أبيض، وحامله حمزة بن عبد المطلب.
5- غزوة بواط ، في شهر ربيع الأول سنة 2 هـ سبتمبر سنة 623 م، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائتين من أصحابه، يعترض عيرا لقريش فيها أمية بن خلف الجمحي ومائة رجل من قريش، وألفان وخمسمائة بعير، فبلغ بواطا من ناحية رضوى «3» ولم يلق كيدا. واستخلف في هذه الغزوة على المدينة سعد بن معاذ، واللواء كان أبيض، وحامله سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
6- غزوة سفوان ، في شهر ربيع الأول سنة 2 هـ سبتمبر سنة 623 م أغار كرز بن جابر الفهري في قوات خفيفة من المشركين على مراعي المدينة، ونهب بعض المواشي، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين رجلا من أصحابه لمطاردته، حتى بلغ واديا يقال له: سفوان من __________ (1) ودان- بالفتح فالتشديد- موضع بين مكة والمدينة، بينه وبين رابغ مما يلي المدينة تسعة وعشرون ميلا، والأبواء موضع بالقرب من ودان. (2) انظر المواهب اللدنية 1/ 75 وشرحه للزرقاني. (3) بواط (بالضم) ورضوى، جبلان فرعان أصلهما من جبال جهينة: مما يلي طريق الشام، بينه وبين المدينة نحو أربعة برد.
ناحية بدر، ولكنه لم يدرك كرزا وأصحابه، فرجع من دون حرب، وهذه الغزوة تسمى بغزوة بدر الأولى. واستخلف في هذه الغزوة على المدينة زيد بن حارثة، وكان اللواء أبيض، وحامله علي بن أبي طالب.
7- غزوة ذي العشيرة – في جمادى الأولى، وجمادى الآخرة سنة 2 هـ الموافق نوفمبر وديسمبر سنة 623 م، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمسين ومائة ويقال: في مائتين، من المهاجرين، ولم يكره أحدا على الخروج، وخرجوا على ثلاثين بعيرا يعتقبونها، يعترضون عيرا لقريش، ذاهبة إلى الشام، وقد جاء الخبر بفصولها من مكة فيها أموال لقريش، فبلغ ذا العشيرة «1» ، فوجد العير قد فاتته بأيام، وهذه هي العير التي خرج لي طلبها حتى رجعت من الشام، فصارت سببا لغزوة بدر الكبرى. وكان خروجه صلى الله عليه وسلم في أواخر جمادى الأولى، ورجوعه في أوائل جمادى الآخرة على ما قاله ابن إسحاق، ولعل هذا هو سبب اختلاف أهل السير في تعيين شهر هذه الغزوة. وفي هذه الغزوة عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم معاهدة عدم اعتداء مع بني مدلج وحلفائهم من بني ضمرة. واستخلف على المدينة في هذه الغزوة أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وكان اللواء في هذه الغزوة أبيض، وحامله حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه.
8- سرية نخلة – في رجب سنة 2 هـ الموافق يناير سنة 624 م، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش الأسدي إلى نخلة في اثني عشر رجلا من المهاجرين، كل اثنين يعتقبان على بعير. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب له كتابا، وأمره، ألاينظر فيه حتى يسير يومين، ثم ينظر فيه. فسار عبد الله، ثم قرأ الكتاب بعد يومين، فإذا فيه: «إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف، فترصد بها عير قريش، وتعلم لنا من أخبارهم» فقال: سمعا وطاعة، وأخبر أصحابه بذلك، وأنه لا يستكرههم، فمن أحب الشهادة فلينهض، ومن كره الموت فليرجع، وأما أنا فناهض، فنهضوا كلهم، غير أنه لما كان في أثناء الطريق أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يتعقبانه، فتخلفا في طلبه __________ (1) العشيرة- مصغرا، ويقال: العشيراء بالمد، وقيل: العشيرة بالمهملة- موضع بناحية ينبع.